تزخَر دولة ماليزيا بعدد مهم من المساجد العريقة، والتي تتميز بروعة زخرفتها وتناسق ألوانها، الشيء الذي يعكس بوضوح جمالية الفن المعماري بالقارة الآسيوية بشكل عام، وبدولة ماليزيا بشكل خاص.
وكل من يَقدُم إلى ماليزيا، ويقوم بزيارة مساجدها ويعمل على اكتشافها من الخارج والداخل ويشاهد أشكال جدرانها، يشعُر منذ الوهلة الأولى بانبهار ودهشة كبيرين، حيث أن كل مسجد من مساجد الدولة الماليزية يمثل نموذجا جذابا ومنفردا ضمن ما يُصطلح عليه بفن العمارة الإسلامي، فكل زائر يتجول في جنبات هذه المساجد ينجذب تلقائيا إلى تلك النقوش الفنية والزخارف الخلابة، لأن هذا الفن المعماري يتضمن بالأساس فنون النقش والزخرفة، ويمزج بين الأناقة في التصميم والأشكال الهندسية الدقيقة، كما أنه يحافظ أيضا على فلسفة التشييد والبناء التي تقوم ركيزتها على الدمج بين الفن المعماري الخارجي أو المستورد، والفن المعماري الأصيل أو المحلي.
ويظهر للمتتبِّع أنه في بناء المساجد الماليزية هناك العديد من فنون التشييد والبناء الإسلامية القديمة والعصرية أو الحديثة، ومن تلك الأنواع المختلفة نجد فنون الفسيفساء والمقرنصات والأقواس والشرفات والقباب والمآذن باختلاف وتنوع أشكالها الهندسية، وبالإضافة إلى ذلك، تجدُر الإشارة إلى أن أغلب هذه المساجد تحتوي على حدائق جميلة وأروقة متسعة ومساحات كبيرة ومفتوحة، وهناك أيضا بعض المسطحات المائية التي تحيط بجنباتها، وقد تمَّ بناء بعض هذه المساجد على بحيرات إما طبيعية أو اصطناعية.
ووفقا لما جاء في مجلة "إسلاميكا" الأمريكية المتخصصة في شؤون وأخبار العالم الإسلامي في أحد أعدادها السابقة، فإن هناك عوامل رئيسية مختلفة تؤثر بشكل كبير في نوعية النمط المعماري وفي حجم المساجد المتواجدة بالدولة الماليزية، نذكر من بين هذه العوامل التراث الحضاري والثقافة العِرقية ومخلّفات الاستعمار، والجو أو الوسط السياسي والتطور التكنولوجي والظروف المناخية. كما أن هذا الفن المعماري الماليزي يركِّز بالأساس على الحفاظ على المغزى وراء وجود المساجد، ألا وهو إضفاؤها بجَوٍّ من الروحانية والسكينة، وغَمرُها بالطمأنينة.
ولقد كان النمط المعماري المستخدم في تشييد وبناء المساجد في ماليزيا هو نفسه حتى في مرحلة ما قبل الاستعمار، حيث كان يتماشى وينسجم مع نوعية وطبيعة البناء في جزر أرخبيل المَلايو آنذاك، وذلك باستعمال مواد البناء التي تتواجد في الغابات، وبالاستعانة بتلك التصاميم المَلايوية (الماليزية) التقليدية التي تُظهِر مدى كفاءة وحِرفية المختصين بالبناء في ذلك الوقت.
لكن بعد ذلك، وبالضبط خلال فترة الاستعمار التي امتدت حِقْبةً من الزمن، فقد كان النمط المعماري المغولي هو المتداول والسائد آنذاك، كما عرفَت استعماله أيضا بعض الدول الآسيوية كالهند، والتي كانت لا تزال حينها تحت وطأة الاستعمار البريطاني. إضافة إلى كل هذا، فقد ظهرت في الوقت ذاته أنماط وتصاميم معمارية أخرى، نخُص بالذكر هنا الأنماط المعمارية المغربية والأندلسية.
وبعد انسحاب المستعمِر من الأراضي الماليزية وغيرها، وأُفول نجمه عن سماء آسيا الشاسعة والمستنيرة، ظهر التغيير الحقيقي والكبير في أنواع وأشكال الأنماط المعمارية التي ستُستخدَم في بناء المساجد بعد رحيل الاستعمار، حيث احتوت هذه الأنماط على قائمة متنوعة من الطرز والنقوش المعمارية الإسلامية الأصيلة، لتُبرهِن بذلك عن مدى سعادة هذه البلدان بزوال قبضة المستعمِر الغاشم عن أراضيها وبفرحها بحريتها وبهذا الاستقلال المنتَظَر، ولتبين أيضا عن فخرها واعتزازها الراسخ واللامتناهي بموروثها الحضاري والإسلامي.
وكما هو معلوم، فإن أيّ حضارة كانت ومهما كان امتدادها، لا يمكن أن تقوم لها قائمة أو يعلُوَ شأنها ويُخَلَّد اسمها بين الحضارات، إن كان أولئك المنتمون إليها غير مهتمين بتراثهم الثقافي ولا ارتباط لهم به، فمآلها إذن الانهيار والزوال والنسيان لا محالة.
المصدر : موقع الجزيرة ومواقع أخرى
اذا كان لديك اي استفسار حول الموضوع لا تنسي ان تضع تعليقك هنا